طالما أنّ المسح على الجورب.. يدخل في فعل الوضوء.. ومن الوضوء الى الصلاة.. التي هي واحدة من أعظم العبادات لله عزّ وجلّ..
وجب التوسّع في هذا الموضوع.. خاصّة أنّه يحمل من الأمور و المعلومات المهمّة.. التي تخفى عنّا..
وفي هذا الدّرس.. منافع كثيرة.. تجنّبنا الوقوع في أخطاء.. قد تكلّفنا صلاتنا ! .. لأنّ الوضوء اذا لم يصحّ.. الصلاة لن تكون صحيحة..
ومن فسدت صلاته فسد سائر عمله.. و العياذ بالله
ومع اقتراب فصل الشتاء.. و ميل النّاس في هذا الفصل للمسح على الجورب.. رأينا أنّه الوقت المناسب للحديث عن هذا الموضوع..
والله ينفعنا و ينفعكم
الفقرة الأولى ( تعريف الجورب )
الجوارب ( جمع جورب ).. أو الشراب في دول الخليج , أو الكلسات في بعض دول الشامّ..
هو ما يُلبس على الرجل ( القدم ) من صوف أو قطن أو جلد
و الجورب المصنوع من الجلد.. يطلق عليه اسم الخفّ
والجرموق.. وهو خفّ قصير يُلبس على خفّ اخر
و الجوارب أنواع : جورب رقيق ( شفّاف ) , جورب ثخين ( سميك ) , و الخفّ ( جورب مصنوع من الجلد )
الفقرة الثانية ( مشروعيّة المسح على الجورب في القران و السنّة )
و أمّا مشروعيّة المسح على الجورب.. فقد جاء فيها عدّة روايات عن النبيّ عليه الصلاة و السلام..
و اعتبر العلماء أنّ المسح على الجورب يدخل في باب تطبيق السنّة.. و واحدة من هذه الروايات هي ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة و السلام :
حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، قال المغيرة : فاهويت لأنزع خفّيه فقال:
دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما
هذا بالأضافة الى دليل المسح على الجورب.. في القران الكريم.. حيث يقول عزّ من قائل :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
الفقرة الثالثة ( شروط المسح على الجورب )
1 - أن يلبس الشخص جوربه وهو على طهارة.. يعني على وضوء
2 - أن يكون الجورب طاهرا
3 - أن لا يكون الشخص واقع في الجنابة ( محتلم ).. فـاذا كان في الجنابة.. وجب على الشخص خلع الجورب..
و من ثمّ الغسل.. ثمّ يلبس الجورب.. و لكن على وضوء مجدّدا كما هو معلوم..
لما جاء في حديث صفوان بن عسال رضي الله قال :
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن
إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم
4 - أن لا تزيد فترة المسح على الجورب أكثر من 24 ساعة للشخص العاديّ و ثلاثة أيّام للمسافر
لما جاء من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :
جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوماً وليلة , وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، يعني في المسح على الخفّين
الفقرة الرابعة ( كيفيّة المسح )
قبل نهاية الوضوء.. أيّ بعد مسح الأذنين.. نضع قليلا من الماء في اليد اليمنى, و قليلا من الماء في اليد اليسرى..
و نمسح القدمين اليمنى و اليسرى مع بعضهما في نفس الوقت.. اليد اليمنى تمسح القدم اليمنى و اليد اليسرى تمسح القدم اليسرى
و ينتهي المسح عند الساق اليمنى و عند الساق اليسرى
و مسح القدمين يكون مع بعضهما مثل ما تمّ ذكره.. كما نفعل في مسح الأذنين..
حيث حديث المغيرة ابن شعبة يقول مسح عليهما.. و لم يقل ابتدأ بالقدم اليمنى أو ما شابه
وعلينا نحن الاقتداء بالسنّة كما أتت ( هذا تفسير ابن عثيمين رحمه الله )
ومنهم من قال.. بـجواز المسح باليد اليمنى على القدم اليمنى.. ثمّ باليد اليسرى على القدم اليسرى.. حيث يبدأ باليمنى قبل اليسرى
أو أن يمسح باليد اليمنى على القدم اليمنى و اليسرى..
أو أن يمسح القدمين بـكلتا اليدين.. في نفس الوقت ( هذا تفسير الأمام البهيقيّ رحمه الله )
و العلم عند الله.. الطرق الثلاث جائزة بـموافقة عدد من العلماء على جميع هذه الطرق..
والأحوط تطبيق حديث المغيرة كما جاء.. يعني المسح بـكلتا اليدين على القدمين في نفس الوقت
أمّا المسح يكون من أعلى القدم و ليس من أسفلها.. تطبيقا للسنّة..
حيث يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفّيه
الفقرة الخامسة ( هل يجوز المسح على الجورب المثقوب؟ )
رأى جمهور العلماء.. أنّ المسح على الجورب المثقوب, جائز.. و الوضوء يكون صحيح
و قال أيضا شيخ الأسلام ابن تيمية.. أنّ النبيّ عليه الصلاة و السلام.. لم يشترط سلامة الجورب
و قال الأمام الثوري أنّ جوارب الصحابة كانت بالتأكيد فيها ثقوب و رقع و مهترئة
أمّا المشهور عند الشافعيّ و أحمد.. أنّه لا يجب المسح على الجورب المثقوب
و قال الامام الحنفيّ أنّ المسح يجوز لكن يجب أن لا يكون الثقب كبيرا
و الراجح هو قول جمهور العلماء.. بـامكانيّة المسح على الجورب المثقوب و المهترىء.. على أن يظلّ ماسكا للقدم..
و اهترائه لا يكون لـدرجة أنّ نسبة كبيرة من القدم أصبحت ظاهرة.. كذلك الثقوب.. و يكاد الجورب يسقط من رجله
و الأحتياط هو الأفضل.. و العلم عند الله
الفقرة السادسة ( أسئلة عامّة )
1 - هل تجب النيّة للمسح على الجورب ؟
الجواب : لا.. و هذا ما قال به العلماء الكرام.. منهم ابن باز و ابن عثيمين رحمهما الله.. يتوضّىء الشخص و يمسح.. حتّى بـدون نيّة المسح
2 - تبدأ الفترة المتاحة للمسح على الجورب.. أيّ 24 ساعة للشخص العادي و ثلاثة ايّام للمسافر..
هذه الفترة تبدأ بعد الوضوء مباشرة و لبس الجورب.. أو عند المرّة الأولى التي يتمّ فيها المسح على الجورب؟
الجواب : اذا توضّىء الشخص و لبس الجورب.. وصلّى مثلا صلاة الظهر.. و ظلّ على وضوئه حتّى صلاة المغرب.. حيث حينها فسد وضوئه..
فـتوضّىء و مسح على الجورب للمرّة الأولى
فـعند هذا الزمن.. زمن المسح الأوّل على الجورب.. تبدأ مهلة الـ 24 ساعة أو الثلاثة أيّام.. أيّ عند صلاة المغرب كما في المثل أعلاه
3 - هل يجوز خلع الجورب ومن ثمّ لبسه و استمرار المسح عليه ضمن الفترة المحدودة؟
الجواب : هذا الأمر له قسمين..
الأوّل ان كان الانسان يلبس الجورب و لكنّه ليس على وضوء.. حينها..
اذا خلع الجورب.. سقطت رخصة المسح عليه.. أمّا اذا حرّك الجورب لـيحكّ رجله أو يقوم بـاخراج شيء موجود في الجورب..
فاذا كانت هذه الحركات ما زالت تحترم سترة القدم.. بـمعنى أنّه خلع جزءا يسيرا من الجورب.. حينها رخصة المسح تظلّ فاعلة..
و القسم الثاني.. أنّه اذا كان الانسان على وضوء.. و خلع الجورب.. بـامكانه اعادته و المسح عليه.. شرط أن يكون على وضوء عاديّ..
يعني لم يستخدم بعد رخصة المسح.. و هذا قول ابن عثيمين رحمه الله
أمّا اذا توضّىء و كان قد استخدم أيضا المسح و خلع الجورب.. سقطت رخصة المسح.. لكنّه رحمه الله قال .. أنّه اذا قال أحد أهل العلم أنّ الرخصة تظلّ قائمة..
فـتظلّ قائمة في رأيه.. لكنّه على علمه.. لم يسمع أحدا قال بـهذا
4 - هل يجوز المسح من أسفل الجورب ومن أعلاه أيضا في نفس الوقت ؟
الجواب : نعم يجوز و المسح صحيح.. لكن تطبيقا للسنّة و لـرواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. الأحسن المسح على أعلى الجورب فقط
هذا ما قال به ابن عثيمين رحمه الله
الفقرة السابعة ( اختلاف الرأي في المسح على الجورب الرقيق )
ننتقل الان الى الفقرة السابعة و الأخيرة.. و هي الفقرة التي فيها محلّ خلاف العلماء
و نبدأ بـحديث المغيرة بن شعبة عن النبيّ صلّ الله عليه و سلّم.. حيث قال المغيرة :
" تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلّ الله عليه و سلّم.. وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ.. رواه الترمذيّ و قيل حديث حسن صحيح
أجمع أهل العلم و الفقه و المذاهب الأربعة ( الحنبلي , المالكي , الشافعيّ و الحنفيّ )..
أنّ المسح على الجورب الرقيق لا يجوز.. بل على الخفّين ( جورب مصنوع من جلد ) و يمكن أيضا المسح على الجورب الثخين عند هذه المذاهب..
ما عدا المذهب المالكي.. الذي قال أنّ المسح يكون على الخفّ ( جورب من الجلد ) فقط
و قيل أنّ الامام النوّوي و أهل الحديث.. قاموا بـتضعيف حديث المغيرة رضي الله عنه..
و قال الامام البهيقي أنّه اذا تمّ اعتبار أنّ الحديث صحيح..
فـالمقصود بالجورب هنا.. هو الجورب المنعّل ( الذي فيه نعل ).. و المقصود هنا الخفّ..أو الجورب الثخين ( السّميك )
و استدلّ أيضا بـأنّ الترمذّي اشترط أن يكون الجورب ثخين بعد أن أورد الحديث
أمّا العلماء الذين قالوا أنّ الجورب الثخين ( السميك ) جائز.. اعتمدوا أنّه طالما المسح على الخفّ جائز.. و الخفّ مصنوع أسفله من الجلد.. و أعلاه من القماش..
و طالما أنّ الشخص يمسح على أعلى الخفّ المصنوع من قماش.. لا مانع اذا أن يمسح على الجورب الثخين المصنوع من قماش أيضا !
أمّا الشيخ ابن تيمية و اللجنة الدائمة و ابن عثيمين و الشيخ المنجد و غيرهم.. قالوا أنّ المسح على الجورب الرقيق أيضا جائز..
و هذا يدخل من باب التيسير الذي هو من اصل الشريعة..
و قيل أنّ الأمام الحنفيّ وقت مرضه و قبل وفاته.. مسح للمرّة الأولى على جورب رقيق
أمّا الشيخ الشنقيطي رحمه الله رفض المسح على الجورب الرقيق.. مثله مثل المذاهب الأربعة.. و أهل الحديث..
و قال أنّه من الأفضل الأحتياط.. و لأنّ هذا النوع من الجوارب لا يستر لون و شكل القدم.. و لا يمنع وصول الماء الى القدم..
وهذين الشرطين أيضا.. طالب به كثير من العلماء ومن أهل الحديث لـيكون المسح صحيحا.. وهم لا يرون هذين الشرطين..
موجودين في الجورب الرقيق
ملاحظة : 1) اذا كان لا بدّ من استخدام الجورب الرقيق..
الأفضل أن لا يظهر لون بشرة القدم من خلاله و أن يستر القدم من الأصابع الى أوّل السّاق
حتّى لو كان فيه ثقوب.. لا بأس
2) لا تجب النيّة في المسح على الجورب.. بـمجرّد أن توضّىء الشخص و لبس الجورب على هذا الوضوء.. يمكن أن يمسح عليه
موضوع: مشروعية المسح على الجوارب والخفين 
الأربعاء فبراير 25, 2015 11:04 pm
